كولو مواني إلى يوفنتوس: إعارة بمضامين استراتيجية ومكاسب متبادلة
في خطوة مفاجئة نوعًا ما على مستوى سوق الانتقالات الصيفية، أعلن نادي يوفنتوس الإيطالي رسميًا عن ضم المهاجم الفرنسي راندال كولو مواني على سبيل الإعارة قادمًا من باريس سان جيرمان. الصفقة، التي بلغت قيمتها الإجمالية ما يقارب مليون يورو كرسوم مبدئية، مع مليوني يورو كمتغيرات، إضافة إلى 2.6 مليون يورو تكاليف إضافية، عكست توجهات فنية وإدارية مزدوجة لدى الطرفين: يوفنتوس الباحث عن حلول هجومية فورية، وباريس الساعي لإعادة ترتيب أوراقه الهجومية في ظل زحمة الخيارات.
ورغم أن الصفقة لا تتضمن خيار شراء نهائي، إلا أن أبعادها تتجاوز مجرد استعارة قصيرة الأمد؛ فهي تعكس رغبة يوفنتوس في استعادة التوازن الهجومي دون تحميل خزائنه أعباء كبيرة، وفي الوقت ذاته تمنح كولو مواني مساحة للانفجار الفني مجددًا، بعد موسم متذبذب في "حديقة الأمراء".
عودة يوفنتوس إلى السوق الذكي: بين التقشف والفعالية
بعد سنوات من الإنفاق الكبير والاستثمارات الثقيلة التي ميزت فترات سابقة في تاريخ النادي، عاد يوفنتوس في الآونة الأخيرة إلى استراتيجية السوق "الذكي"، الذي يعتمد على التعاقدات منخفضة المخاطر وذات العائد العالي المحتمل. إعارة كولو مواني تمثل نموذجًا حيًا لهذا النهج: مهاجم دولي فرنسي يمتلك مواصفات بدنية وفنية متميزة، لم يكلف النادي سوى رسومًا مالية محدودة نسبيًا، دون التورط في التزامات بعيدة الأمد.
ويأتي هذا التعاقد في لحظة حساسة ليوفنتوس، الذي يسعى لتجديد دمائه الهجومية بعد مواسم من العجز التهديفي في المواعيد الكبرى. الفريق، الذي خسر الكثير من بريقه الأوروبي مؤخرًا، يدرك جيدًا أن استعادة الهيبة تبدأ من تدعيم الخط الأمامي بلاعبين قادرين على إحداث الفارق في العمق وعلى الأطراف، وهي الصفات التي يتمتع بها كولو مواني.
كولو مواني: موهبة تبحث عن انفجار جديد
راندال كولو مواني ليس اسمًا غريبًا عن متابعي الكرة الأوروبية. اللاعب البالغ من العمر 25 عامًا، بزغ نجمه مع نادي نانت الفرنسي، قبل أن يخطف الأنظار خلال موسمه المميز مع آينتراخت فرانكفورت في الدوري الألماني، حيث سجل وصنع أرقامًا لافتة جعلته هدفًا للعديد من الأندية الكبرى، من بينها بايرن ميونخ، مانشستر يونايتد، وباريس سان جيرمان الذي تفوق في السباق الصيفي الماضي وضم اللاعب مقابل قرابة 90 مليون يورو.
لكن التجربة الباريسية لم تسر كما كان متوقعًا. وسط زحمة هجومية غير متجانسة ضمت أسماء مثل كيليان مبابي، عثمان ديمبيلي، ماركو أسينسيو، وغونزالو راموس، وجد كولو مواني نفسه في حالة من التوهان الفني، حيث عانى من غياب الاستمرارية وصعوبة إيجاد مكان ثابت في التشكيلة، فضلًا عن الضغوط الجماهيرية التي لم ترحمه في أوقات التراجع.
ولعل هذا ما يجعل الإعارة إلى يوفنتوس فرصة ذهبية للاعب من أجل إعادة إطلاق مسيرته من جديد، في بيئة تنافسية شديدة ولكنها أكثر قابلية للانسجام التدريجي، تحت قيادة فنية تعتمد على المنظومة والانضباط التكتيكي.
ماذا يضيف كولو مواني ليوفنتوس؟
من الناحية الفنية، يُعد كولو مواني مهاجمًا متكاملًا نسبيًا، يجمع بين القوة البدنية، السرعة، والقدرة على اللعب كمهاجم صريح أو على الجناحين. أرقامه في فرانكفورت تعزز هذا التقييم، حيث أنهى موسمه هناك بـ23 مساهمة تهديفية في الدوري الألماني وحده، تنوعت بين التسجيل والصناعة.
في يوفنتوس، سيمنح اللاعب خيارات متعددة للمدرب، سواء تم توظيفه كمهاجم أساسي في خطة 4-3-3، أو كمهاجم ثانٍ بجوار فلاهوفيتش في حال اعتمد الفريق على خطتي 3-5-2 أو 4-4-2. كما أن تحركاته بين الخطوط وخلف المدافعين قد تفتح المجال أمام لاعبي الوسط للالتحام أكثر بالمناطق الأمامية.
والأهم من كل ذلك، أن كولو مواني يمتلك ما يفتقده هجوم يوفنتوس الحالي: القدرة على خلق فرص فردية تحت الضغط، والاندفاع العمودي السريع، وهي عوامل كانت غائبة تمامًا في الكثير من مباريات الموسم الماضي.
الجانب الاقتصادي: صفقة قليلة المخاطر كبيرة الاحتمالات
من الواضح أن إدارة يوفنتوس وضعت نصب عينيها تقليص الأعباء المالية قدر الإمكان، خاصة في ظل ما تعرض له النادي من متاعب إدارية ومالية خلال السنوات الأخيرة، والتي كلفته الغياب عن المنافسات الأوروبية في موسم 2023-2024 بسبب عقوبات اليويفا.
في هذا السياق، جاءت صفقة كولو مواني كخيار مالي ذكي: اللاعب حضر بإعارة موسمية دون خيار شراء، مع إجمالي تكلفة لا يتجاوز 5.6 ملايين يورو في أسوأ تقدير، مما يجعل الصفقة شبه مجانية مقارنة بالأسعار المتداولة في السوق، وبالنظر إلى إمكانيات اللاعب.
ورغم غياب بند الشراء، إلا أن يوفنتوس يحتفظ بحق التفاوض في نهاية الموسم مع باريس سان جيرمان، لا سيما إذا نجح كولو مواني في فرض نفسه وتسجيل حضور قوي مع "السيدة العجوز"، وهو سيناريو وارد جدًا بالنظر إلى الجودة الفنية المتوفرة لديه.
باريس سان جيرمان: التخلص المؤقت من فائض هجومي؟
من زاوية باريس سان جيرمان، قد تبدو الصفقة خطوة مثيرة للتساؤل: لماذا الإعارة دون خيار شراء؟ ولماذا يُفرط النادي الباريسي بلاعب دولي بحجم كولو مواني بهذه السهولة؟ الحقيقة أن باريس يعيش مرحلة من التحول الجذري بعد رحيل مبابي، ومع رغبة المدرب لويس إنريكي في إعادة بناء الفريق على أسس أكثر اتزانًا، بدأت إدارة النادي في "تنظيف" القائمة من الأسماء التي لم تجد لنفسها مكانًا فنيًا ثابتًا.
كولو مواني كان ضحية هذه الفلسفة الجديدة. ورغم قيمته السوقية العالية، فإن النادي فضّل الإعارة المؤقتة على إبقاء لاعب غير سعيد داخل غرفة الملابس. ومن المرجح أن باريس يأمل في أن يستعيد اللاعب بريقه في الدوري الإيطالي، ليرتفع سعره مجددًا وتتاح خيارات أكثر جدية لبيعه بشكل دائم صيف 2026.
الجماهير والضغط النفسي: اختبار جديد لكولو مواني
بعيدًا عن الأرقام والتكتيك، فإن انتقال كولو مواني إلى يوفنتوس يشكل اختبارًا نفسيًا جديدًا للاعب، الذي واجه موجة انتقادات قوية في باريس. جماهير يوفنتوس بطبعها لا ترحم، وتطالب دائمًا بالأداء الفوري والنتائج، خاصة بعد تراجع الفريق محليًا وأوروبيًا.
لكن إن نجح كولو مواني في تقديم مردود ثابت، حتى دون تسجيل عشرات الأهداف، فإن الجمهور الإيطالي سيعترف له بالدور الكبير في إعادة الروح إلى الفريق، وسيكون أمامه فرصة لبناء قصة جديدة تعيده إلى الواجهة الدولية، خصوصًا مع اقتراب بطولات مثل يورو 2028 وكأس العالم 2030.
خلاصة: صفقة رابحة للطرفين.. إن أحسن استخدامها
صفقة إعارة كولو مواني ليوفنتوس يمكن وصفها بـ"الصفقة الذكية منخفضة المخاطر وعالية العائد". بالنسبة ليوفنتوس، فالفريق يحصل على مهاجم من الصف الأول دون التزامات بعيدة المدى، وفي توقيت حرج قبل انطلاق الموسم الجديد. أما باريس، فيتخلص من زحمة هجومية ويمنح لاعبه فرصة جديدة للتألق.
لكن كل هذه الفوائد النظرية مرهونة بأداء اللاعب داخل الملعب. إن تمكن كولو مواني من استعادة النسخة التي ظهرت مع فرانكفورت، فقد تتحول هذه الإعارة إلى قصة نجاح مدوية تعيد تشكيل مستقبل المهاجم الفرنسي من جديد، وربما تجبر الأطراف على التفاوض طويل الأمد.
يوفنتوس خطا خطوة إلى الأمام في سوق الانتقالات، لكن الطريق نحو النجاح مرهون بأقدام كولو مواني، وبمدى انسجامه مع بيئة "الكالتشيو" المعروفة بقسوتها... فهل يكون راندال هو الحلقة المفقودة في هجوم السيدة العجوز؟ أم أن الإعارة ستكون مجرد محطة عابرة في مسيرة مهاجم لم يُفجر طاقته بعد؟